بلدة ديرنطار.. دولة داخل الدولة
كهرباء مجانية لجميع أبناء البلدة طيلة ساعات اليوم وضمان اجتماعي للمجتاجين
تكاد بلدة “ديرنطار” في بنت جبيل أن تصبح قادرة على الاستغناء عن خدمات الدولة المغيبة، بعد أن وجدت البديل الذي أمن لأبنائها الكثير من حاجاتهم الأساسية التي حرموا منها كغيرهم من أبناء الوطن. فهي البلدة الوحيدة التي لا تنقطع فيها الكهرباء طيلة ساعات اليوم، وتضخ فيها المياه مجاناً، كذلك الخدمات الصحية لغير النيسورين، اضافة الى السكن المجاني للراغبين في الزواج وغير القادرين على بناء منازلهم.
لدى الدخول الى البلدة عبر مدخليها الرئيسيين يدهشك اتساع الطريق العام، الذي يسمح بعبور السيارات على خطين، واحد للذهاب وآخر للإياب. وفي وسط البلدة شيدت “الساحة العامة”، والتي يطلق عليها البعض “الداون تاون” ، نظراً لمساحتها الكبيرة (حوالي 5000 متر مربع)، والمحاطة بالمباني الجميلة ومبنى البلدية الضخم، وأنشأت فيها حديقة عامة واسعة زرعت فيها أشجار الزيتون المعمّرة.
الخدمات العامة في ديرنطار لا تشرف عليها الحكومة اللبنانية، ولا حكومة أجنبية، بل مؤسسة خيرية من أبناء البلدة المغتربين الأغنياء، والتي تحولت بخدماتها الى ما يشبه الحكومة الخيرية”، كما يقول أحد أبناء البلدة، وهي “مؤسسة محمد علي حجيج وأولاده الخيرية”، التي أسسها الراحل محمد علي حجيج، أحد أبناء البلدة المغتربين، من الذين قصدوا القارة السوداء وعادوا من كبار رجال الأعمال، لكنه تميز باهتمامه البالغ بأبناء بلدته والبلدات المجاورة، فحاول تقديم المساعدة لمئات الشبان والمحتاجين.
ويقال إنه كان يمتلك ثروات طائلة، والتي انتقلت الى أبنائه الذين لا يزالاون يعملون في أكثر من دولة أفريقية، ويتابعون الاشراف على مؤسسات والدهم، وأهمها مؤسسته الخيرية. وقد تولى نجله قاسم حجيج، رئاسة المجلس البلدي، منذ نحو سنوات طويلة، فحول البلدة الى بلدة نموذجية، رغم أنه لا يستطيع الاقامة بشكل ثابت في بلدته، ويصعب لقاءه، فهو يتابع أعماله الكبيرة في أفريقيا، لكنه كلف عدد من الموظفين بمتابعة أعمال البلدة.
تقول زينب حجيج: “غدا مدخل البلدة “أوتوسترادا” كلف مئات الآلاف من الدولارت، وبنى آل حجيج عبر مؤسستهم الخيرية دور العبادة المختلفة في البلدة، من بينها مسجد حجري على الطريقة القديمة، كما حولوا ساحة البلدة الى حديقة عملاقة، زرعت فيها الأشجار المتنوعة، سيما أشجار الزيتون المعمرة (أكثر من 20 شجرة زيتون يعود تاريخها الى نحو 300 عام)”.
وتابعت: “ولم تنس أسرة حجيج شبان البلدة المعوزين، فقررت بناء المنازل لهم، عبر بناء نحو عشرين شقة سكنية، تقدم مجاناً لغير القادرين على الزواج الى أن تسنح لهم الفرصة بتأمين منازلهم الخاصة”، مبينة أن مؤسسة محمد علي حجيج الخيرية “ساهمت بتأمين العمل في الخارج لمئات الشباب، بينهم أكثر من 100 شاب من بلدة ديرنطار”.
وفي ميدان آخر، تقول حجيج: “قدمت المؤسسة ومازالت الخدمات الطبية لكل من هو مريض من البلدة ومهما كانت كلفة العلاج، شرط عدم التمكن من معالجة نفسه بسبب الوضع المادي السيء، ونحن نبحث الآن عن أشخاص يتبرعون بالكلى لتأمين زرع الكلى للعديد من المرضى، ولو كان ذلك في الخارج”، مضيقة: “وتؤمن المؤسسة معاشات شهرية تفوق 30 ألف دولار للمرضى والمعوزين من البلدة”.
لا تستطيع زينب حجيج احصاء عدد الحالات المرضية التي تمت مساعدتها حتى الآن، فهي بالمئات أو أكثر، ولا ينتظر آل حجيج الافصاح عنها، فهم يرفضون ذلك، لكن بحسب زينب حجيج “المساعدات تقدم لأبناء البلدة والعديد من البلدات الجنوبية الأخرى، ولا يوجد شروط خاصة بالمعالجة، المهم أن يكون هناك حاجة حقيقية”.
في مجال الماء والكهرباء، أنشأ آل حجيج بئرا أرتوازيا ضخما يؤمن المياه لجميع أبناء البلدة؛ أما الكهرباء فهي مؤمنة مجاناً للجميع طيلة 24 ساعة، فقد اشترى آل حجيج مولدا كهربائيا ضخما يؤمن الكهرباء لجميع أبناء البلدة دون استثناء وطوال ساعات اليوم، فيدفع آل حجيج مبالغ مالية للمساعدة بدل المازوت فقط.
وبخصوص الخدمات التعليمية في البلدة، فبعد أن بنى قاسم حجيج المدرسة الرسمية، يعمد كل عام على تأمين الأقساط المدرسية لجميع طلاب البلدة، اضافة الى الكتب والقرطاسية، حسب الحاجة.
وفي شهر رمضان، تقدم مؤسسة حجيج مئات الحصص الغذائية للفقراء والمحتاجين من أبناء المنطقة. وتقول ابنة البلدة، فاطمة ناصر الدين: “يرفض آل حجيج الاعلان عن أي من خدماتهم الانسانية التي لا تعد ولا تحصى، فخدماتهم لله فقط وليس للاعلان”.
أبناء محمد علي حجيج الذين شيدوا أحد أفخم القصور في لبنان، والذي يطلق عليه أبناء البلدة لقب “المستعمرة”، نسبة الى ضخامته وجماله واتساع حديقته المطلة على البحر، أنشأوا فرعاً لمؤسستهم الخيرية في بيروت، بهدف تقديم الخدمات الانسانية لأبناء الجنوب المعوزين، أو لأي طالب حاجة يطرق بابهم طالباً العون.
داني الأمين